5 طرق مُفاجئة يُؤثّر بها الإجهاد على دماغك

جميعُنا على درايةٍ بالإجهاد، ذلك الضّغط المُتعب الذي نتعرّض له بشكل يوميّ، والذي له العديد من الأشكال المُختلفة. فقد يكون الضّغط في مُحاولة التهرُّب من بعض المسؤوليّات كالمنزل أوالعمل أوالمدرسة، وقد ينطوي الضّغط على مسائل ماديّة أو صحيّة، أو نتيجة للعلاقات الإجتماعيّة. وعندما نواجه أيّ تهديدٍ مُحتمل، فإنّ عقولنا تقودُنا تلقائيّاً إمّا نحو التعامُل مع القضيّة (مواجهة المُشكلة)، أو نحو تجنُّبها (التهرُّب).



تسبّب لك التّأثيرات السلبيّة للإجهاد على عقلك وجسمِك أعراضاً جسديّةً كالصُّداع وآلام الصّدر (القلب)، أو قد تُسبّب مشاكل نفسيّة كالقلق أو الحُزن. ومن المُحتمل أن يُسبّب الإجهاد مشاكل سلوكيّة كنوبات الغضب أو تناول الطّعام أكثر ممّا هو عليه عادةً.

ما قد لا تعرفه هو أنّ للإجهاد تأثير خطيرٌ على الدّماغ أيضاً، فعند مواجهتك للتوتُّر الذي يُسبّبه لك الإجهاد، فإنّ دماغك يدخل سلسلة من التفاعُلات مع المُشكلة، منها الجيّدة ومنها السيّئة، وكِلاهُما تهدفان لحمايتك من التّهديدات المُحتملة.

وجد العُلماء أنّ الإجهاد قد يُحسّن من قدرة العقل على تذكُّر تفاصيل كثيرة عمّا يحدُث من حولنا. لكن في حالات اُخرى قد يتسبّب الضّغطُ في مجموعة كبيرة من الآثار السلبيّة التي تُؤذي الدّماغ، بدءاً بالأمراض العقليّة وإنتهاءاً بتقلُّص حجم الدّماغ. لنُلقي نظرة عزيزي القارئ على خمس من تأثيرات الإجهاد غير المُتوقّعة على عقولنا.

1- الإجهاد المُزمن قد يجعلُك أكثر عُرضةً لمرض عقلي:

نشرت دراسة للطّب النّفسي الجُّزيئي وجد الباحثون من خلالها أنّ الإجهاد المُزمن يُسبّب تغيُّرات طويلة الأمد تطرأعلى الدّماغ. وتُشير هذه التغيُّرات إلى تفسيرِ كون أولئك الذين لديهُم إجهاد وتوتُّر مُزمنَين هُم أكثر عُرضة لاضطرابات المزاج والقلق في فترات لاحقة من حياتهِم.

اكتشف باحثون من جامعة كاليفورنيا- بيركلي، بعد إجرائهِم سلسلة من التجارُب التي تبحث في تأثير الإجهاد المُزمن على الدّماغ، أنّ مثل هذا النّوع من الإجهادات يخلُق المزيد من الخلايا المُنتجة للميلانين، لكنّ الخلايا العصبيّة هي أقل من هذا الحد الناتج عن الإجهاد المُزمن، ممّا يتسبّب في وجود كميّات فائضة من الميلانين في مناطق مُعيّنة من الدّماغ، وبالنّتيجة يُسبّب خللاً في التوازُن بالتواصُل مع الآخرين.

درس الباحثون على وجه الخصوص أثر الإجهاد على تحصين الدّماغ. حيثُ أشارت الدّراسات إلى أنّ الإجهاد يلعب دوراً رئيسيّاً في تطوير الاضطرابات النفسيّة كالاكتئاب، بالإضافةِ للاضطرابات النّفسيّة المُختلفة.

إقرأ أيضاً: أشهر أنواع الأمراض النفسيّة وأعراضها

2- أثرُ الإجهاد على هيكل الدّماغ:

 كشفت التجارب التي أجراها باحثون في جامعة كاليفورنيا – بيركلي أنّ التوتُّر يُسبّب تغييرات طويلة الأمد في تركيب ووظيفة الدّماغ.

يتكوّن المُخ من خلايا عصبيّة وخلايا داعمة لها، تُعرف باسم "المادّة الرماديّة" وهي المسؤولة عن التّفكير وإتخاذ القرارات وحل المُشكلات. ويحتوي الدّماغ أيضاً على ما يُسمّى "المادّة البيضاء" والتي تتكوّن من جميع المحاور التي تربُط مناطق الدّماغ مع بعضها البعض لنقل المعلومات تُدعى بالمادّة البيضاء لكونها دهنيّة، ولها غمد أبيض يُعرف بالميلانين والذي يُحيطُ بالمحاور التي تُسرّع من من نقل الإشارات الكهربائيّة المُستخدة لنقل المعلومات في جميع أنحاء الدّماغ.

لاحظ الباحثون أنّ الإفراط في إنتاج الميلانين يعود سببهُ إلى وجود التوتر المُزمِن، وهو لا يتسبّب فقط بتغيير التوازُن بين المادّتين البيضاء والرماديّة على المدى الطّويل، وإنّما يُسبّبُ تغييرات في بُنية الدّماغ بشكل عام. لاحظ الأطباء والباحثون أنّ الأشخاص الذين يُعانون من اضطرابات ناتجة عن صدمة ما، لديهم تشوهات في المُخ، بالإضافة لإختلال التوازن بين مُستويات المادّتين البيضاء والرماديّة لديهِم.

وتُشير عالمة النّفس "دانييلا كوفر" والباحثة في هذا الموضوع إلى أنّ ليس كُلّ آثار الإجهاد في الدّماغ والجُّملة العصبيّة لها نفسُ المساوئ. فللإجهاد إيجابيّات أيضاً، فالقليل من الإجهاد يُساعدُك على القيام بأداءٍ أفضل لمواجهة التحدّيات، ممّا يجعل من دماغك أكثر مرونة وقوّة. لكنّ الإجهاد المُزمن قد يُسبّب العديد من المشاكِل، وقد أوضحت العالمة "كوفر" قائلةً: "أنت تُصمّمُ دماغك إمّا لكي يصبح مرناً أو ليكون عُرضة للأمراض العقليّة، وذلك يعتمد بشكل رئيسيّ على كميّة المادّة البيضاء التي تحصُل عليها في بداية حياتِك".

3- الإجهادُ يقتلُ خلايا الدّماغ:

وجدت دراسة أجراها باحثون في جامعة روزاليند - فرانكلين للطّب والعلوم، أنّ حالة واحدة من التوتُّر تقتل خلايا عصبيّة جديدة من حِصن الدّماغ.

الحِصن أو الحَصين هو أحدُ مناطق الدّماغ المُرتبطة مع الذّاكرة والعاطفة والتعلُّم، وهو منطقة من منطقتين في الدّماغ تُنتج الخلايا العصبيّة، أو الخلايا الدماغيّة الجّديدة، خلال جميع مراحل حياتنا.

قامت إحدى فرق البحث بتجربة بسيطة، حيثُ وضعوا صغار الفئران مع إثنين من الفئران الأكبر سنّاً ولمُدّة 20 دقيقة فقط. بعد ذلك قامت الفئران الكبيرة بمُهاجمة الصّغار والإعتداء عليها. ووجدت دراسة لاحقة أنّ الفئران الصّغيرة لديها مستويات الكورتيزول أعلى بست مرّات منها عند تلك الفران الأكثر نُضجاً، والسببُ هو أنّ الفئران الصغيرة لم تتعرّض بَعد لأيّ إجهادٍ يُذكَر خلال حياتِها.

وقد وجدت دراسة اُخرى أنّ صغار الفئران التي وُضعت تحت الضّغط لديها عدد أقل من الخلايا العصبيّة مُقارنةً بالفئران التي هي بنفس السّن ولكنّها لم تتعرّض لأيّ إجهادٍ يُذكر، فبعد إسبوعٍ فقط من الضّغط والإجهاد لوحظ إنخفاض عدد الخلايا العصبيّة في دماغ تلك الفئران. أي بعبارة أُخرى هذا الإجهاد لا يُؤثّرُ في تشكيل الخلايا العصبيّة الجّديدة، وإنّما في إمكانيّة بقائها على قيد الحياة (أي أنّ الإجهادَ المُزمن يقتُل هذه الخلايا).

بما أنّ الإجهاد يقتلُ خلايا الدّماغ، فهل هُناك طريقةٌ ما للحدّ من التّأثير الضّار للإجهاد؟

الخطوة التالية والأهم هي كيف نفهَمُ آليّة قتل الإجهاد لهذه الخلايا، حيثُ أوضح الدّكتور والمُؤلّفُ "دانيال بيترسون" أنّ علينا تحديد ما إذا كانت الأدوية المُضادّة للإكتئاب تستطيعُ إبقاء خلايا الدّماغ الجّديدة والضّعيفة على قيد الحياة.

إقرأ أيضاً: 7 عادات خطيرة تؤذي الدماغ توقف عنها حالاً

4- الإجهاد يُسبّب انكِماش الدّماغ :

حتّى النّاس الأصحّاء يُمكِن أن يُسبّب لهُم الإجهاد انكماش في مناطق الدّماغ المُرتبطة بتنظيم العواطِف، والتّمثيل الغذائي والذّاكرة، فغالباً ما يربط النّاس النتائج السلبيّة اللامُفاجئة مع الإجهاد المُزمن، كالحوادث التي قد تُغيّر حياتهُم، مثل الكوارث الطبيعيّة، حوادث السّير، أو وفاة أحد أفراد الأُسرة. ولكنّ يُشيرُ الباحثون إلى أنَّ سببهُ في الواقِع الإجهاد اليَومي الذي نواجههُ باستمرار، ويوماً بعدَ يوم، والذي يُساهم بمجموعة واسعة منَ الإضطرابات النفسيّة.

في دراسة قام بها الباحثون من جامعة "ييل" على 100 مُشارك من الأصحّاء الذين قدّموا معلومات عن الأحداث المُجهدة في حياتهِم، لاحظ الباحثون أنّ تعرُّضهُم للإجهاد، حتّى الذي أصابهُم مُؤخّراً، سبّب تقلُّص كميّة المادة الرماديّة في قشرة الفَص الجّبهي، وهي المنطقة الموجودة في الدّماغ والسؤولة عن العواطف وضبط النّفس. الإجهاد المُزمن اليومي لهُ تأثير على حجم الدّماغ من تلقاء نفسهِ، ممّا يجعل النّاس الذين يتعرّضون للإجهاد المُزمن أو المُؤلِم، هُم أكثر عُرضةً لإنكماش خلايا الدّماغ.

حيثُ أكّدتَ صاحبة تلك الدّراسة "د.إميلي آنسل" : إنّ تراكُم الأحداث المُجهدة في الحياة قد تجعلُ الأمر أكثر سوءاً لدى هؤلاء الأشخاص، خاصّة مع الإجهادات التي قد تُصيبهُم مُستقبلاً، لأن ّ هذه الأحداث قد تتطلّب مُراقبة الذّات وتنظيم العاطفة أو المُعالجة النفسيّة للتغلُّب عليها وتجاوزها نهائيّاً.

ومن المُثيرُ للإهتمام أنّهُ إكتشف أحد فرق البحث أيضاً أنّ أنواع الإجهاد المُختلفة لها تأثيرات مُتفاوتة على الدّماغ. فالمزيد من الأحداث المُجهدة المتتالية كفقدان الوظيفة أو حادث سيّارة تُؤثّر جميعُها على الوعي العاطِفي لدى الشّخص. إنّ الأحداث المُؤلمة كوفاة أحد أفراد الأُسرة أو مواجهة مرضٍ خطيرٍ للغاية، كان لها الأثر الأكبر على مراكز المزاج في المُخ.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح ذهبيّة لتعزيز طاقة الدماغ

5- الإجهاد يُدمّرُ ذاكرتك:

هل حاولت يوماً أن تستذكِر تفاصيل حدث مُؤلم أصابك؟ كُن على يقين بأنّهُ غالباً ما يتسبّب الإجهاد بجعل بعض الأحداث من الصّعب تذكُّرُها. حتّى الإجهادات البسيطة نسبيّاً يُمكن أن يكونَ لها تأثير فوريّ على ذاكرتِك، كأن تُكافح لتتذكّر أين هي مفاتيح سيّارتِك أو عندما تُحاول تذكُّر أينَ وضعتَ حقيبتَك، وهذا الفقدان السّريعُ للذّاكرة سببهُ إجهاد بسيط، وهو تأخّرُك عن العمل. 

وجدت إحدى الدّراسات علم 2012 أنّ الإجهاد المُزمن لهُ أثرٌ سلبيٌّ على ما يُعرف باسم الذّاكرة المكانيّة، أو القُدرة على تذكُّر مواقع الأشياء من حولنا، وكشفت دراسة اُخرى عام 2014 أنّ مُستويات هرمون الكورتيزول العالية المُرافقة للإجهاد جعلت ذاكرة الفئران النّاضجة تنخفض على المدى القصير (بسرعة).

إنّ تأثير الضّغط والإجهاد على الذّاكرة يعتمدُ على عددٍ من المُتغيّرات، والتّوقيتُ واحدٌ منها، حيثُ أثبتت العديدُ مِنَ الدّراسات أنّهُ في حال حدث الإجهاد قُبيلَ أن تتلقّى معلومة ما، قد يكونُ ذلك سبباً في تثبيت هذه المعلومة وبالتّالي تعزيز الذّاكرة، من خلال ربط المعلومة بالحدث (الإجهاد مثلاً).

ومن ناحية اُخرى، تبيّن أنّ الضّغط يلعب دوراً أساسيّاً في عرقلة الذّاكرة وإسترجاع المعلومات. فمثلاً، أكّد الباحثون مراراً وتكراراً أنّ التعرُّضَ للإجهاد قبل إختبارات الذّاكرة، يتسبّب بخفض أداء الذّاكرة لدى كلٍّ من الإنسان والحيوان على حدٍّ سواء.

إقرأ أيضاً: أهم المعلومات عن الذاكرة البشرية وقدراتها وطرق تقويتها

 

أخيراً... إنّ الإجهاد جزء من حياتنا، فبالتّأكيد لا نستطيعُ منع حدوثه نهائيّاً، أو تَجنُّبهُ في جميع الحالات، ويعتقد الباحثون أنّه عليهم فهم بالضّبط كيف ولماذا يُأثّر الإجهاد على الدّماغ، بحيث يستطيعون وضع الحلول العمليّة لمنع حصول بعض الأضرار التي يُسبّبُها الإجهاد. فعلى سبيل المثال، يقترح الخُبراء اليوم إيجاد عقاقير مُصمّمة لمنع آثار الإجهاد الضارّة على الدّماغ، وذلك بالإستفادة من الأبحاث والتجارُب التي يقومون بها على الإنسان والحيوان.




مقالات مرتبطة