4 أسباب تبيِّن أهمية الاستمرار في التعلم

كنتُ قبل بضع سنوات، قد ضقتُ ذرعاً بالتعليم؛ إذ قضيت ست سنوات بين عامي 2004 و2010 في الدراسة لأحصلَ على شهادتين، ثم بدأتُ مشروعاً تجارياً بعد ذلك مباشرةً، وتعلمتُ كثيراً أيضاً خلال أول عامين من عملي بوصفي رائد أعمال.



لكن أخذت أُفكِّر بعد فترة بأنَّنا لا نحتاج إليه للتعليم، فما عليك إلا بدء مشروعٍ تجاري، أو الحصول على عمل وكسب المال؛ فالتعليم مجرد هدرٍ للوقت والمال، توقفت عن قراءة الكتب، وحضور المؤتمرات، وتعلُّم أيِّ شيءٍ آخر ساعدني بأن أُتقن عملي بوصفي رائد أعمال ومسوِّقاً، وما إلى ذلك.

لم تكن تلك خطوةً ذكية، فبعد عامين من هذا القرار، لم أشهد النمو الذي كنت أطمح إليه شخصياً وروحياً وعقلياً ومالياً، وقد ساعدني اكتساب مزيد من المعرفة على كسب مزيد من المال أيضاً، وتحقيق مزيد من الإنجازات، وحدث العكس عندما توقَّفت عن ذلك.

كما تعلم؛ فالثقافةُ والعلم والمعرفة جميعها قابلةٌ للفناء، فأنت لا تفقدها لمجرد أنَّك لم تستثمرها؛ بل إن لم تُحسِّنها أيضاً؛ لأنَّك تنسى ما تعلمته ببساطة، بالنسبة إلي، كنت غافلاً عن تلك الحقيقة معظم حياتي؛ فالتعليم ليس أمراً تُراكمه فيبقى في ذهنك إلى الأبد، أراه مثل الطعام والماء والهواء وممارسة التمرينات الرياضية؛ فجميعها أمورٌ تحتاج إلى تحسين دائم.

كما أنَّك لا تتنفس مرةً واحدةً في السنة، فلماذا تقرأ كتاباً واحداً فقط في السنة؟ هذا لا يبدو منطقياً؛ فالتعليم أمر بالغ الأهمية للاستمرار في الحياة، فهو لا يُساهم في النمو الشخصي فقط، بحسب ما قال الكاتب الأمريكي بنجامين فرانكلين (Benjamin Franklin): "إذا ما أنفق المرء كلَّ مالهِ على التعلُّم، لا يمكن لأحد أن يسلبه ذلك؛ فالاستثمار في المعرفة دائماً ما يعود علينا بأعلى فائدة"؛ فالتعليم استثمارٌ في نفسك، وسيعود عليك بأرباحٍ أكثر من أيِّ شيء آخر قد تستثمر فيه.

إليك فيما يأتي 4 أسباب تُثبت هذا بحسبِ اعتقادي:

1. يساعد التعليم على اتخاذ قرارات أفضل:

إنَّنا نعيش في عالم يزداد تعقيداً على نحوٍ مستمر، وحين نُخطئ تكون العواقب وخيمةً؛ فبصرف النظر عن مدى ذكائك أو موهبتك، ما يهم هو قدرتك على التركيز على الأمور الهامة.

قد تُطرد من وظيفتك بسهولة أو تخسر عملك في لحظة ضعف، ويمكن لخطأ واحد أن يُسبب حالةً من الفوضى؛ فالحياة ليس مرنةً أبداً هذه الأيام، ولاتخاذ قرارات أفضل، تحتاج إلى تثقيف نفسك وتقصِّي الحقائق، والبحث في كلِّ الأمور؛ فجودةُ قراراتك ستُحدِّد مسار حياتك ومهنتك؛ لذا لا تقلل من شأن ذلك.

يمكن لقرارٍ واحدٍ أن يُغير كلَّ شيء، فكيف تعرف أنَّك اتخذت القرار الصحيح؟

شاهد بالفيديو: طريقة تطوير التعلم الذاتي

2. يُتيح التعليم المزيد من الفرص:

منذ أن لجأت إلى تثقيف نفسي، أصبحت محايداً، ولا أنحازُ إلى فريقٍ أبداً، ولا أخشى الاعتراف بالخطأ، وأبحث دائماً عن الحقيقة فقط، وهذا يمنح شعوراً رائعاً بالحرية بحسب تجربتي الشخصية.

الثقافة تُحرر عقلك، والأهم من ذلك أنَّها تزيد فرصك؛ فالأشخاص المنغلقون فكرياً والمُكتَفون بما يعرفونه لن يتغيروا أبداً، والتغيير قوةٌ تدفعك للمُضي قدماً في الحياة، من خلال تثقيف نفسك، ستُفكر بأمورٍ لم تفكر بها سابقاً، وستطَّلع على أفكار لم تسمع بها من قبل، وإذا جمعت هذه الأمور معاً، ستتولَّد لديك أفكارٌ وتتاح لك فرص تمتد طوال الحياة.

لقد دوَّنت 143 فكرةً للمقالات التي سأكتبها في تطبيق تدوين الملاحظات الخاص بي، وأرفقت مع معظمها مخططاً عاماً للمقال، لدي أيضاً عشرات الأفكار لمشاريع تجارية، أراهن أنَّ واحدةً أو اثنتين أو ربما حتى ثلاثة منها أفكار جيدة.

قد يتساءل الناس عن مصدر تلك الأفكار؛ لكنَّني أحصل عليها ببساطة عندما أتعلم أموراً جديدة، وليس عليك إخراجها عنوةً؛ فهي تخطر لك بشكل طبيعي، وتحتاج في الحقيقة لأن تتعلَّم شيئاً جديداً كلَّ يوم، وعلى الرَّغم من أنَّ هذا قد يبدو صعباً، لكن عليك القيام به.

يقول الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة أبراهام لينكولن (Abraham Lincoln): "كلُّ ما تعلمته، تعلمته من الكتب".

3. تعلُّم المزيد يساعدك على كسب المزيد:

عادةً ما يوجد نوعان من المتقدمين للعمل:

النوع الأول يقول: "شركتك رائعة، لقد قرأت كثيراً عنها، وأرغب في الانضمام إلى هذه الشركة العظيمة والمساهمة فيها"، أمَّا النوع الآخر فيقول: "شركتك تُحقق نجاحاً؛ لكنَّني لاحظت أنَّها تعاني نقطة الضعف هذه، ولدي المهارات اللازمة للمساعدة على تحسين هذه الناحية"؛ فالمُتقدِّم الأول مجرد إضافةٍ لفريق عملك، أمَّا المُتقدِّم الثاني فهو الشخص الذي تحتاج إليه، فأيَّهما ستوظِّف؟

يوجد أيضاً نوعان من رواد الأعمال:

نوعٌ يقول: "اختَرني أنا، واشترِ المنتج الخاص بي؛ فأنا مستعدٌ لعقد صفقاتٍ تجاريةٍ مع أيِّ أحد"، بينما يقول رائد الأعمال من النوع الثاني: "أنا أقدِّم منتجات أو خدمات استثنائية لمجموعة محددة من الناس فقط، وإذا لم تُناسبك، لا مشكلة".

رائد الأعمال الأول يصنع السلع، بينما يقوم رائد الأعمال الآخر بصنع منتجاتٍ أو تقديم خدماتٍ مميزة، لتصبحَ رائد أعمالٍ من النوع الثاني، عليك أن تُتقِن عملك؛ إذ يعتمد الناس على سلعك أو خدماتك، ولتحقيق ذلك عليك أن تتعلَّم وتتدرَّب وتسعى إلى التميُّز.

إقرأ أيضاً: ما هو التعليم المستمر؟ وما هي أهميَّته؟

4. التعليم هو الاستثمار الوحيد المُربح طوال الحياة:

قد تفقد كلَّ ما كسبته في الحياة؛ أموالك وعملك وعملائك وسمعتك ومنزلك وسيارتك، وحتى الأشخاص الذين تحبهم، والمكسب الوحيد الذي لن تخسره أبداً هو المعرفة، إذا ما واصلت الاستثمار فيها، فإذا تعلمت كيفية تأسيس مشروع تجاري، ستتمكن من جني المال بصورةٍ مستمرة، وإذا كنت تملك مهارةً تُفيد الناس، فلن تكون عاطلاً عن العمل أبداً.

لهذا السبب أشتري جميع الكتب والمناهج الدراسية ذات الصلة باختصاصي، وأقضي أيضاً معظم وقت فراغي في تعلم أمور جديدة، والذهاب إلى أماكن جديدة، والتعرف إلى أشخاص مثيرين للاهتمام، وفي النهاية، السبب الحقيقي الذي يجعلني أستثمرُ الكثير من الوقت والمال في تعليمي هو أنَّني أعدُّها استراتيجيةً ناجحةً للاستمرار في الحياة.

يكره الناس المجهول، والتعليم هو شبكة الأمان الخاصة بك، لكن لا يجوز الخلط بين التعليم والشهادات؛ فالتعليم هو الأهم وليس تحصيل الشهادات بحدِّ ذاته، لكنَّ الأمر ليس بهذه السهولة، والحقيقة أنَّ التعليم والدراسة والحصول على الشهادات وإتقان المهارات من أصعب الأمور في الحياة؛ فالذهابُ إلى الجامعة، وقراءةُ كتابين في الأسبوع، ومتابعة دورة تدريبية عبر الإنترنت مساءً بعد يوم طويل، جميعها أمورٌ صعبة.

لهذا السبب بالضبط يمتنع معظم الناس عن الالتزام بها، وبفضلِ ثورة المعلومات خلال العقود الماضية، أُتيحت لنا جميع الفرص لزيادة معرفتنا، حتى أصبح الامتناع عن الاستثمار بتعليمك الذاتي كلَّ يوم ضرباً من الجنون؛ لذا من الأفضل أن تجعل التعلُّم أولويةً مقارنةً بالأمور الأخرى في الحياة.

يقول الفيلسوف الهولندي إيراسموس (Erasmus): "عندما لا يكون بحوزتي إلا القليل من المال، أشتري الكتب؛ وإذا بقي بعضٌ منه، أشتري الطعام والملابس".

هذا ما فعلته في الواقع، أعطيت الأولوية للتعليم على الطعام والعلاقات والصحة والملابس والأمور الأخرى في الحياة، وإذا لم أفعل ذلك، فلن أُفلح في الأمور الأخرى؛ فالأمر بسيط للغاية؛ فهدفي هو القراءة والتعلم والتدرب لمدة 30 دقيقة فقط في اليوم، وهذا لا يتطلب الكثير، وإذا لم تملك 30 دقيقةً لتُنفقها على تعليمك؛ فما هو نوع الحياة التي تعيشها؟

التعليم هام؛ وجميعنا نُدرك ذلك الآن، وما علينا إلا أن نجعله عادةً يوميةً ونستمتع بالقيام به، لكن كما هو حال أمور كثيرة في الحياة، نبدأ بالقيام بها حين نتقنها؛ لكنَّنا لا نستمر على الأمد الطويل، ويمكن للجميع البدء بالقيام بأمرٍ ما، لكنَّ قلةً قليلةً منهم يستمرون.

إقرأ أيضاً: 6 دروس تعلَّمتها من دراستي في الجامعة

في الختام:

بحسب تجربتي؛ يوجد خياران فقط: أن تتعلم أو تحكم على حياتك بالموت، وقد عبَّر عالم النفس الأمريكي أبراهام ماسلو (Abraham Maslow) عن الأمر خيرَ تعبير حين قال: "امضِ قُدماً نحو النمو، أو اذعن للإحساس بالأمان".




مقالات مرتبطة