مفهوم التفاوض وخصائصه

إن عملية التفاوض بدأت منذ بدء الخليقة ومنذ نشأة المجتمعات الصغيرة، وكان يأخذ صوراً مختلفة تبدأ بالحوار وتنتهي إما بالوصول إلى نتائج ترضي أطراف النزاع أو التحاور بالسيوف، لتنتهي عملية التفاوض لصالح أحد أطراف التفاوض واستسلام الطرف الأخر. ولذلك أصبحت المفاوضات من أهم الأنشطة الفعالة لتسوية الخلافات، ففي الصراعات والخلافات الدولية حلت المفاوضات محل الحروب المعلنة بين الدول وأصبح التفاوض يحقق نتائج اقوى من تقارع السيوف وسقوط القتلى.



مفهوم التفاوض:

التفاوض هو: "عملية يتفاعل من خلالها طرفان أو أكثر لديهم اعتقاد بوجود مصالح واهتمامات مشتركة ومتداخلة وأن تحقيق أهدافهم وحصولهم على نتائج مرغوبة تتطلب الاتصال فيما بينهم كوسيلة أكثر ملائمة لتضييق مساحة الاختلاف وتوسيع منطقة الاشتراك بينهم من خلال المناقشة والتضحية والحجة والاقناع والاعتراض للتوصل إلى اتفاق مقبول للأطراف بشأن موضوعات أو قضايا التفاوض".

عناصر التفاوض:

التفاوض

  1. يوجد لدى كل طرف هدف أو عدد من الأهداف يهتم بتحقيقها من خلال ما يقدّمه الطرف الآخر من تعاون وتضحيات أو تنازلات.
  2. يوجد طرفان أو أكثر لديهم رغبة حقيقية للاتصال والتفاعل فيما بينهم لتحقيق نتائج نافعة لهم.
  3. لا يتم التفاوض إلا بوجود طرفين أو أكثر بينهم موضوع أو مصالح مشتركة رغم احتمال وجود اختلاف وجهات النظر فيما بينهم.
  4. يوجد قناعة لدى كل طرف بأن الاتصال المباشر والتفاعل والاستجابة الملائمة للطرف الآخر يعدّ الوسيلة الأكثر فعالية لتحقيق نتائج مرضية لكل طرف.
  5. يوجد قناعة لدى كل طرف من الأطراف بأنّ لديه قدرات تمكنه من إقناع الطرف الاخر لتعديل موقفه وتقديم تنازلات في مطالبه الأصلية للتوصل إلى اتفاق يحقق مصالح عادلة لكل الأطراف.
  6. يتوقف ظهور الحاجة للتفاوض والاقتناع بها على إمكانية خلق منطقة مشتركة بين مناطق الاختلاف بين أطراف التفاوض.
  7. يوجد استعداد لدى كل من الأطراف بأن يقوم بتعديل موقفه الأصلي إذا ما تقدّم الطرف الآخر بحجج مقبولة بما يمكن من التوصل إلى أفضل النتائج للأطراف.
  8. يوجد انطباع لدى كل من الأطراف بأنّ الآخرين لديهم القناعة بأن التفاوض هو أفضل الوسائل لتعظيم المصالح المشتركة لأطراف التفاوض.
  9. يتوقف نجاح التفاوض بدرجة كبيرة على أسلوب توظيف المهارات والقدرات لدى أفراد وفرق التفاوض في مراحل التحضير والتنفيذ للتفاوض وصياغة الاتفاق بين أطراف التفاوض.
  10. يعدّ التفاوض عملية اجتماعية تفاعلية تستخدم فيها مهارات التفاوض وقدرات التأثير والاقناع حيث لا تتوقف على مجرد الحقائق والحسابات المنطقية وإنّما تشمل العديد من جوانب الرغبات والدوافع والحاجات والاتجاهات والعواطف والانفعالات.
  11. يرتبط التفاوض بالفطرة البشرية حيث يمارس الإنسان عملية التفاوض منذ مولده حتى مماته وإن اختلفت الأهداف والأساليب والأدوات، حيث نرى الطفل يستخدم سلاح البكاء والصراخ ليعبر عن حاجته للغذاء أو الاحساس بالألم كوسيلة لجذب الانتباه والحصول على الاهتمام والعطف من المحيطين به حتى يحصل على حاجاته.

التفاوض وصور السلوك الأخرى المتصلة بفض النزاع:

  1. يتشابه التفاوض مع المساومة إلى حدّ كبير لدرجة أنّ البعض يستخدم اللفظين بمعنى واحد، ولكن التفاوض عملية أشمل حيث يمكن اعتبار المساومة جزءاً من التفاوض.
  2. يختلف التفاوض عن الوساطة والتحكيم في أنّ التفاوض يتضمن مواجهة مباشرة بين الطرفين ولكن الوساطة والتحكيم لا يتضمنان ذلك.
  3. تتضمن الوساطة والتحكيم دخول طرف ثالث في النزاع بين الطرفين الأصليين، بينما التفاوض يفترض المواجهة بين الطرفين فقط.
  4. يمكن القول بأن المساومة والوساطة والتحكيم هي صور من سلوك فض النزاع التي يمكن استخدامها كلها في إطار عملية التفاوض الأكثر شمولاً.

خصائص التفاوض:

  1. التفاوض أداة لفضّ النزاع ولكن استمرارها مرهون باستمرار المصالح المشتركة وانهيارها مترتب تلقائياً على انهيار تلك المصالح، فالتفاوض أداة نلجأ إليها للمحافظة على المصالح المشتركة ولكن وجود تلك المصالح من الأصل أو الأمل في تحقيقها شرط في نشأة الحاجة إلى التفاوض واستمرارها.
  2. التفاوض عملية اجتماعية معقدة تتأثر بهيكل العلاقات الاجتماعية وتؤثر فيها وتتأثر باتجاهات المتفاوضين وتتأثر فيها.
  3. التفاوض عملية تتأثر بشخصية المفاوضين كما تتأثر بالقوى والموارد المتاحة لهم، ليس فقط من زاوية المحتوى المادي والموضوعي لتلك القوى والموارد وإنما من زاوية ما يدركه كل طرف من تلك القوى والموارد وأيضاً من زاوية القدرة على استخدامها بذكاء.
  4. تتجاوز آثار التفاوض في العادة الى أبعد ما يتمّ من اتفاقات أو صفقات حيث تمتد إلى ما يتراكم من علاقات وما انعكس على تلك العلاقات من انعكاسات إيجابية أو سلبية كنتيجة للتفاوض.
  5. يتأثر التفاوض باعتبارات عديدة مثل توقعات الخصم وتقديرات المفاوض وسلوك الخصم والعلاقات السابقة واللاحقة والعادات والتقاليد المساندة واللغة المستخدمة والأهداف المعلنة وغير المعلنة.
  6. يتأثر الناتج المتحقق من التفاوض أيضاً باعتبارات خارجية عن مائدة المفاوضات.
  7. يركز المفاوض في كثير من الأحيان على ما يتحقّق في الأجل القصير مقارنةً بما يمكن تحقيقه في الأجل الطويل وذلك لما يلي:
  • لأن الأهداف قصيرة الأجل أكثر وضوحاً وتحديداً.
  • الأهداف طويلة المدى أكثر غموضاً وعمومية.
  • كفاءة الشخص غالباً ما تقاس بما أنجزه بالفعل وليس بما يحتمل أن ينجزه في المستقبل وهو ما يدفعه للتركيز على الإنجاز قصير الأجل.
  1. مهارات التفاوض تتوقف بدرجة كبيرة على إلمام المفاوض بالعديد من العلوم في المجالات الإنسانية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

أهمية التفاوض:

  1. التفاوض علم وفن في نفس الوقت.
  2. التفاوض مهم لتحقيق التواصل الجيد والتفاهم الفعّال.
  3. التفاوض مهم لتكوين الأرضيات المشتركة.
  4. التفاوض مهم لتجنب تفجير الصراعات والجدل العقيم.
  5. التفاوض هو الحل الأمثل للمشكلات والنزاعات.
  6. التفاوض مهم لتحسين الإنجازات وعقد الصفقات والتغلب على المعوقات.

شاهد أيضاً: 10 نصائح تساعدك على امتلاك مهارات التفاوض

المفاوض الفعّال:

يتمتع المفاوض الفعّال بـأفضل مـا تتسـم بـه كـل الأنماط المختلفة للشخصية. فــهو يتسـم بـالود ويسعى لإرضاء الجميع، ولكنه لا يخشى مواجهة المشكلات مباشـرة. وهـو يحطـم الحواجـز بيـن الأنمــاط المختلفــة للشــخصية، ويركــز علــــى القضايا والموضوعات ذات الاهتمـام المتبـادل. والأهم من كل ذلك، أنه يركز اهتمامه على فــهم شخصية الطرف الآخر، ويعدل من سلوكه لكــي تتوافق ظاهرياً مع شخصية ذلك الطرف.

والمفـاوض الفعــّال لا يعرف فقــط كيــف يفوز في المفاوضات، بـل كـيف يفـوز مـع جعل الطرف الآخر يشعر بأنه قد فاز أيضــاً. وهو يستطيع مواجهة أي موقف، والتوصل لحلول تبــدو وكأنها عادلة للطرفين.

خصائص المفاوض ومهاراته:

إنّ نجاح المفاوض في عملية التفاوض مرهون بعوامل عديدة أهمها ما يلي:

  1. يجب ان يُعِد المفاوض نفسه جيداً لعملية التفاوض.
  2. يجب أن يختار الإستراتيجية والتكتيك المناسبين.
  3. يجب أن يكون ذكياً في استخدام الوقت المتاح.
  4. يجب أن يستخدم الأسئلة استخداماً جيداً.
  5. يجب أن يدقق جيداً في اختيار المفاوض أو عضو فريق التفاوض الذي تتوفر فيه المهارات المطلوبة.
  6. يجب أن يكون شخصاً موضوعياً.
  7. فهم طبيعة العلاقات بينه وبين الأطراف الأخرى المتفاوضة.
  8. ينبغي أن يكون المفاوض لبقاً متزن، وأن يكون لدية القدرة على ضبط النفس، وأن يكون على دراية تامة بأساسيات السلوك الإنساني ومهارات التعامل مع الآخرين.
  9. عليه تقييم مراكز القوى النسبية للأطراف المتفاوضة وأن يكون قادراً على توظيفها.
  10. يجب عليه الاعتناء بصياغة الاتفاقيات والعقود.
  11. يمكن له الاستعانة بالاستشارة والوساطة والتحكيم إذا كان ذلك مفيداً له.

ومن مهارات المفاوض الاستماع بفاعلية ويكون ذلك:

  • بالانتباه والتركيز ومقاومة أسباب التشتت.
  • الحكم على المضمون والمحتوى وليس الشكل والأداء.
  • الابتعاد عن التسرع في المناقشة أو الحكم أو الرد وتأجيلها بعد الفهم.
  • المرونة في إبداء الملاحظات.
  • إظهار الاهتمام.
  • الابتعاد عن التسرع في الانفعال تجاه الكلمات المسيرة.
إقرأ أيضاً: فن المفاوضات وكيفية إتقان مهارة التفاوض

أنماط المفاوضين:

لكل منا نمط وأسلوب تفــاوضي معيـن، بمـا فـي ذلـك أنـت ومـن تتفـاوض معـهم. وفـهمك لـــهذه الأنمــاط والأســاليب المختلفة وكيف تتعامل معها له أهميــة بالغـة فـي التفـاوض الناجح.

  • المفاوض الواقعي: يتميز الواقعيون بشدة الحساسية تجاه الوقت، فـهم يريـدون المعلومات مباشرة ولا شيء سواها، فلا يميلون للأحــاديث الهامشية، وهم منظمــون ورسـميون لا يفاوضون لفوز الطرفين، ولا يأبهون باحتياجات الطــرف الآخر، بل يريدون تحقيق الفوز لأنفسهم، والحصول علـى افضـل صفقـة وبــأفضل ثمــن.

عندمــا تتفــاوض مــع الواقعيين لا تضيع وقتهم في الثرثرة والتفاصيل المملة، بل بادر إلــى اتخـاذ قـرارات سـريعة مبنيـة علـى المعلومـات والحقائق المباشرة.

  • المفاوض الانفتاحي: علـى العكـس مـن العملـــي والواقعــي، نجــد المتســاهلين والمنفتحين الذين يهمهم الابتعاد عــن جـو العمـل ليحصلـوا علـى قليـل مـن الدعابـة. وهـم انفعـاليون وقـادرون علـى اتخـاذ القـرارات فـوراً فـي موقـع العمـــل. وكمفــاوضين يتحولون إلى نمــط الأم ذات الأحاسـيس المرهفـة، فينفعلـون بشـدة حيـال بعـض الأمـور.

عنـد التفـاوض مـع الانفتـاحي حـاول اسـتثارة حماسـه تجـاه المشـــروع الــذي تقدمه، واجعله في حالة استعداد لأخــذ قـرار سـريع مبنـي على حماسته.

  • المفاوض الودود: يمتاز الودودون بحب الناس والتصــرف بطريقـة عاطفيـة تجاههم، ويحتاجون للاطمئنان قبل التصرف، لذا يتسمون بالبطء في اتخاذ القرارات، ويكرهون البيع والشراء تحت الضغـط. وفـي حالـة التفـاوض يتحـــول الــودودون إلــى عناصر تهدئة، فيسعون دائما إلى إسعاد كل الأطراف.

إذا تفــاوضت مــع الودوديــن فعليــك أن ترضى بالإيقـــاع التفاوضي البطيء، حيث يجـب أن تحـوز علـى ثقتـهم قبـل اتخاذهم أي قرار، فإذا حاولت الضغــط عليـهم فـإنك تبتعـد بهم عن هذا الاتجاه.

  • المفاوض التحليلي: لا يقتنع التحليلي بعرضك حتــى يعـرف كـل التفـاصيل، ونتيجـة لذلـك يتسـم التحليليـون بــالبطء الشــديد فــي اتخــاذ القرارات، فهم يحللون كل شـيء، وهـم لا يحبـون الضغـط أو الدفع في مفاوضاتهم، بل يريدون كل شيء محدداً وفـي مكانه.

عند التفاوض مع التحليلي احرص على إعطاء أقل التفاصيل الممكنة عن العمليــة لكـي تعطـي لنفسـك فرصـة الرد على تحليلاته واستفساراته الكثيرة لاحقاً.

نصائح حول مهارات التفاوض:

التفاوض

سواء مع صاحب العمل، أو الزملاء أو أحد أفراد العائلة، نحتاج أحياناً لان نفاوض للحصول على ما نعتقد انه من حقوقنا. وفيما يلي بعض المهارات والأساليب والاستراتيجيات التي قد تساعد المرء على النجاح في خوض مفاوضات بشكل فعّال تضمن له الوصول إلى أهدافه، أو على الأقل تحقيق نسبة نجاح نسبية مقبولة.

1- تعرّف على خصائص ومهارات الخصم:

قبل خوض المفاوضات تحرّى عن سمعة خصمك من حيث مهاراته في التفاوض وخبرته، وبالتالي تستطيع أن تحكم إن كان خصمك يشكل لك تهديداً، أم أنه لا يشكل تهديداً يستحق الذكر.

2- اعمل على بناء الثقة بينك وبين خصمك:

إن غياب الثقة بين طرفي المفاوضات ستجعل عملية التفاوض تستند الى أسلوب يعمد إلى التلاعب بالمعلومات وبالتالي يصبح الجو العام للمفاوضات مفعماً بالشك والارتياب. اكسب ثقة خصمك بأن تكون جديراً بهذه الثقة وتصدق القول وتثق بنفسك.

3- لا تكشف أوراقك من البداية:

لا تكشف نفسك وأهدافك وغاياتك وتضعها بين يدي خصمك بداية المفاوضات، بل استهل بأن تصرّح عن موقفك الذي تتخذه. حيث انه تقع على عاتقك كمفاوض مسؤولية توجيه الأسئلة الذكية والمنتقاة لخصمك والتي هدفها أن تكشف لك عن أهداف وغايات الطرف الآخر.

إقرأ أيضاً: لماذا بعض الناس بارعون جداً في التفاوض!

4- استعرض مصادر قوّة خصمك:

لاتنسى بأن توازن القوى وتقيّم وتحدد مصادر قوة الخصم وكذلك مصادر قوتك. فيمكنك مثلاً تقسيم مصادر القوة إلى مصادر داخلية وأخرى خارجية: فتشتمل المصادر الداخلية على خصائص المرء من قوة الشخصية واحترام الذات والثقة بالنفس، وأما المصادر الخارجية فهي غير ثابتة، تتحكم بها أمور سير المفاوضات.

5- استعرض الخيارات والبدائل:

قبل البدء بالمفاوضات، لا يكفي أن تحدد أقصى غاياتك وأهدافك فقط، بل عليك أن تضع خيارات وبدائل لهذه الأهداف تقبل بها. وعليك أيضا أن تحدد الحجج المؤيدة والمعارضة للخيارات المقترحة.

6- متى تعتبر نفسك فائزاً:

قبل أن تخوض المفاوضات، استعرض كل النتائج المتوقعة منها، واجعل لنفسك مدى للنجاح. فوصولك إلى نتيجة ما تقع ضمن المدى الذي حددته سابقاً، يعني أنك قد خضت المفاوضات بنجاح، بينما عدم تمكنك من تحقيق أية نتيجة تقع ضمن هذا المدى، تكون قد أحرزت فشلاً.

 

وأخيراً فإن التفاوض عملية تمارس داخل كل النشاطات وفي كل المجالات داخل أي منظمة فهي لم تعد تقتصر على المستوى الدولي سواء في المجال السياسي أو العسكري أو على الحوار بين النقابة وإدارة المؤسسة بل امتدت لتشمل كل مجالات الحياة وفي كل الأنشطة والمؤسسات.




مقالات مرتبطة