ويذكر لنا سجل التجارب الإنسانية العديد من الأمثلة الناصعة حول هذه الحقيقة المؤلمة ؛ فهذا نبي الله المعصوم لوط قد ابتلي بزوجة مشاكسة عاصيه ، وتلك المرأة العظيمة آسيا بنت مزاحم قد ابتليت بزوج جبّار طاغية هو فرعون مصر . لكن هذه الحقيقة الناصعة لا تمنع من الإشارة إلى أن الكثيرين من الأزواج والزوجات بينهم حب ووفاق . فما دور الوفاق بين الزوجين في بناء شخصية الطفل؟
يتميز الطفل في فترة الطفولة المبكرة بتأثره الحاد بما يدور حوله ، لذلك فإن الوالدين المستنيرين يحرصان على جعله لا يرى ولا يسمع إلا ما يسعده ، وعلى تجنيبه كل ما من شأنه أن يزعجه خصوصا رؤية المشاهد المرعبة كالمنازعات والشجارات بين والديه ، والتي قد تترك آثارا مدمرة على نفسه ، فينشأ خائفا قلقا حائرا مترددا . فإذا أحسّ الطفل بأنَّ هناك خلافات ومشاحنات بين أمه وأبيه فإنه قد يصاب باضطرابات انفعالية تجعله حائراً قلقاً يصرخ ويبكي لأبسط الأسباب . وهكذا فإنه يتوجب على الوالدين أن يتفقا على الأسس التربوية التي يتطلعان لكي يتربى طفلهما عليها .
وقد أشارت دراسة قام بها هاجمان ( Hagman) سن 1932م إلى أن الطفل يخضع في مخاوفه لأنماط الثقافة التي تهيمن على بيئته وتؤثر فيها ، فهو يقلد أهله في مخاوفهم من العواصف والظلام والشياطين ، وغير ذلك .
وبوجه عام فإن الحب بين الزوجين يساعد على تنشئة الطفل تنشئة آمنة مطمئنة متزنة في حين أن النزاعات تجعله تائهاً قلقا مضطربا ، لأنه لا يقوى على الحياة دون مساعدة والديه ، والنزاعات المستمرة بينهما تجعله يشعر بأن هذه الحاجة مهددة فيعتريه الخوف ، فإذا تكررت المشاهد المؤلمة أمام ناظريه فإنه قد يمنى بالإحباط ، ويتكون لديه عاطفة من الغضب الممزوجة بالغيظ ، فيميل لتفريغها عبر ممارسات عدوانية مثل الضرب والشتم والتحطيم والصراخ والمشاكسة . كما يتعلم الطفل العدوان من خلال تقليده لوالده إذا رآه يضرب والدته أو يحطم الأشياء المنزلية .
وقد يعتري الطفل أنماط من الأحلام المزعجة التي هي مظهر من مظاهر تعبيره عن مخاوفه وقلقه ، أو عن دوافع عدوانية لديه لا يستطيع ممارستها في الواقع فيمارسها في المنام .
وللوفاق بين الزوجين آثار إيجابية على تحقيق التوازن النفسي للطفل ، وقد درس العالم بولدوين (Balwin) آثار الديمقراطية في البيت على نمو شخصيات 17 طفلا كان لهم من العمر أربع سنوات فوجد : ( فاخر عاقل 1981) " أن ديمقراطية البيت تخرج أطفالا نشيطين غير هيابين مخططين محبين للاستطلاع ، وميالين إلى التزعم . أما الأطفال الذين يأتون من بيوت متسلطة فقد وجد أنهم ميالون لأن يكونوا هادئين غير هجوميين ، محدودي الفضول ، قليلي الأصالة وضعاف الخيال ."
ولكي ينجح الوالدان في توظيف الوفاق لتنشئة أطفالهما التنشئة التي يريدانها فإن عليهما أن يقوما بالخطوات الآتية:
ـ إشعار الطفل بما يكنّه والداه له من حب وحنان ؛ لأنه إن أحسّ بهذا الحب فإنه سيسهل عليه الاستجابة لنصائحهما و توجيهاتهما.
ـ أن تكون الأوامر والتعليمات الموجهة إليه حازمة ومحددة وواضحة ، بحيث يتعلم الطفل أنه لا مجال للتسامح أو السكوت على التصرف الخطأ .
ـ الاتفاق على خطة واضحة المعالم تهدف إلى الوصول لنمط الشخصية التي يرغبان في أن يكون طفلهما عليها ، وعلى التصرفات التي يجدر بالطفل أن يمارسها ، وتلك التي ينبغي عليه أن يجتنبها .
ـ اجتناب وصف الطفل بالسوء عندما يقترف خطأ ، لأنه في هذه الحالة قد يشعر بأنه منبوذ ، وبالتالي قد يتكون لديه شعور بالنقص ، قد يتطور إلى ضعف ثقة بالنفس .
ـ التقويم المستمر لتصرفاتهما وللنتائج التي يتوصلان إليها ، والاتفاق على الإجراءات التي ينبغي عليهما اتباعها لمعالجة ما قد يصدر عنهما من أخطاء ؛ فإذا ارتكب الطفل ممارسة غير صائبة ، وتضاربت ردود الفعل بين الأب والأم تجاه الخطأ الذي ارتكبه ، فإنه سيكون حائراً بين موقف كلٍ من الأب والأم ، وقد يصاب بنوع من الاضطرابات الانفعالية ؛ كأن يقترب من الطرف الذي رضي عن سلوكه ، وينفر من الطرف الذي رفض ذلك السلوك .
و لكي نقي الطفل من الانفعالات النفسية المدمرة والتي تنشأ عن المشاجرات المتواصلة بين أمه وأبيه فإن الخبراء ينصحون بتوحيد الرؤية في أساليب تربية الأطفال ، فلا يجوز أن يتطلع هذا إلى مظاهر الحداثة – مثلا - في حين تتشبث تلك بمبادئ الأصالة ، وإنما ينبغي عليهما أن يتفقا على الهدف وعلى الوسائل في حوار علمي هادئ في جلسة مغلقة في منأى عن مرأى ومسمع الأطفال ؛ لأن الأطفال يسوؤهم أن يروا أو يسمعوا مظاهر الشقاق بين أبويهم ويسعدهم الإحساس بوجود حب بينهما ، وهذا الإحساس يجعلهم مهيئين للاستماع إلى نصائحهم وتقبل توجيهاتهم .
دور الوفاق بين الزوجين في تشكيل شخصية الطفل
أضف تعليقاً