ولكن أصبح الموظفون وأرباب العمل الآن يشاركون مشاركة متزايدة وعلنية في حركات العدالة الاجتماعية، ويتبادلون الآراء على وسائل التواصل الاجتماعي، وإلى جانب بيئة العمل الافتراضية، صارت الحدود الفاصلة بين الحياة الشخصية والمهنية غير واضحة؛ فما كان يوماً من المحرَّمات أصبح الآن مقبولاً على أنَّه أمر طبيعي جديد، مثل رؤية أطفال زملائنا في العمل في أثناء اجتماع، أو ظهور شركائنا أمام الكاميرا في أثناء اجتماع عبر الإنترنت.
ونحن كمنظمة نحتاج إلى اتخاذ قرارٍ واعٍ بشأن ما إذا كانت المحادثات حول السياسة قد أصبحت أيضاً طبيعية، وعلينا التركيز على تعلُّم كيفية التعامل مع السياسة في العمل.
نحن نتحدث عن قيمة الموظفين الذين يجلبون معهم أفكارهم ومعتقداتهم إلى مكان العمل للشعور بالانتماء والسعادة، ولكن عليك أن تسأل نفسك عما إذا كان ذلك يشمل التوجهات السياسية أيضاً.
للقرارات السياسية عواقب واقعية تؤثر في شعور الموظفين بالأمان والأمن والرفاه، فإذا كنَّا نريد حقاً أن يأتي الموظفون إلى العمل بأفكارهم ومعتقداتهم وتوجهاتهم، فعلينا أن نقبل أنَّهم سيشاركون أيضاً القضايا التي يتعاملون معها خارج العمل.
في الواقع، وفقاً لاستطلاع أجرته جامعة تشابمان (Chapman University) بشأن مخاوف الأمريكيين في عام 2019، تبين أنَّ 47.5٪ من الأمريكيين "خائفون'' أو "خائفون جداً'' من نتائج انتخابات 2020، فمع مثل هذه المجموعة الكبيرة من الناس الذين يعانون من خوف وتوتر متزايد، علينا أن نعرف إن كنا نريد الحفاظ على سياسة صارمة ونتجاهل الأمر برمته، أم أنَّ هناك أرضية مشتركة يمكننا الاتفاق عليها.
ما يجب فعله وما لا يجب فعله عند الحديث عن السياسة في العمل:
الحقيقة هي أنَّه لم يعد في إمكانك فصل السياسة عن مكان العمل، وهذا ما تؤكده نتائج الأبحاث، فوفقاً لجمعية إدارة الموارد البشرية (SHRM)، يعترف 26% من الأمريكيين بأنَّهم يخوضون أمور السياسة في مكان العمل بانتظام، وكان لدى 42٪ من الموظفين "خلاف سياسي" في مكان العمل، إذاً، لماذا لم نعد نفصل بين الحياة السياسية والحياة المهنية؟
أولاً: تتجاوز السياسة مسألة مَن الذي ستُصوِّت له أنت أو موظفوك في الانتخابات القادمة، فالمحادثات والمواقف السياسية في مكان العمل ديناميكية ومتطورة باستمرار؛ لذا فكر في موقف المنظمة من مختلف السياسات، واختر منها تلك التي تريد دعمها.
على سبيل المثال، هل تؤيد أي قوانين بيئية؟ هل لديك موقف بشأن مدى تأثير قوانين الضرائب المختلفة على عملك؟ في الآونة الأخيرة، هل أدليت ببيان لدعم حركة اجتماعية ما؟ تشير الجهات التي تتبرع لها والقضايا السياسية التي تدعمها علناً إلى ما تُقدِّره المنظمة وتهتم به؛ حيث تتخذ المنظمة بدأب قرارات سياسية، سواء اتخاذاً مباشراً أم غير مباشر؛ لذا إذا طلبت من الموظفين عدم مناقشة الأمور السياسة أو القوانين التي تهمُّهم، فقد يبدو ذلك نفاقاً.
ثانياً: هذا ينطبق بشكل خاص على الأشخاص الذين يشاركون في بيئة عمل عن بُعد؛ إذ لا يمكنك حقاً حظر المحادثات السياسية في العمل؛ وذلك لأنَّ الحد الفاصل بين الحياة العملية والحياة الشخصية لم يعد موجوداً، وبمعنى آخر لا يمكنك التحكم في كيفية تأثير السياسة والقوانين في حياة موظفيك، ومن ثم في حياتهم العملية، ويجب ألا تتحكم بذلك أصلاً.
ضع في حسبانك وجود عناصر أخرى إضافية تحرِّك المشهد العام إذا كانت المنظمة تشارك بنشاط في نشاطات مشحونة سياسياً، مثل ممارسة الضغوط السياسية أو التبرع لقضايا أو مرشحين مُحدَّدين. في الواقع، القوانين الفيدرالية وقوانين الولايات تحمي أنواعاً معينة من الكلام في مكان العمل، بما في ذلك المناقشات حول النقابات وظروف مكان العمل، وكما ذكرنا أعلاه، تتجاوز السياسة الحديث الانتخابي؛ لذا فإنَّ الحظر التام قد يُعرِّض المنظمة بالفعل للخطر.
كما نرى في جميع أنحاء العالم، بدءاً من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ووصولاً إلى الانتخابات الأمريكية، أصبحت السياسة أكثر استقطاباً من أي وقت مضى؛ حيث أصبحت القرارات تُتَّخذ بشأن سبل عيش وسلامة وصحة موظفينا وعائلاتهم وأصدقائهم (على سبيل المثال لا الحصر).
في حين أنَّ هذا كان صحيحاً دائماً، والآن بعد أن صارت حدود العمل والحياة المنزلية غير واضحة للغاية، ازدادت صعوبة الفصل بين الاثنين؛ إذ يؤثر أحدهما باستمرار في الآخر (في كلا الاتجاهين).
ونحن كمنظمات بحاجة إلى أن نكون مستعدين للتأثير الذي ستحدثه الأحداث السياسية -مثل الانتخابات- في موظفينا في الأسابيع التي تسبق ذلك، والأيام والأسابيع التي تليها؛ حيث سيشعر موظفوك بآثار هذه الأحداث لفترة طويلة بعد تمرير القانون أو انتهاء الانتخابات، بينما لا يمكنك الاستعداد دائماً للأحداث غير المتوقعة وتأثيراتها في المنظمات (على سبيل المثال، فيروس كورونا)، يُمكنك الاستعداد لأشياء مثل الانتخابات، والقرارات داخل المنظمة.
شاهد بالفيديو: السمات الثمانية للقيادة الرشيدة عند الأزمات
ماذا عن طلب التغذية الراجعة؟
بصرف النظر عن تأسيس بيئة يستطيع الموظفون فيها التعامل مع تبعات السياسة، قد تتساءل عما يمكنك فعله أيضاً لإعلام موظفيك أنَّك تدعمهم وتدعم صحتهم العقلية في أوقات التوتر المتزايد، وغالباً ما تُطرح أسئلة مثل: "هل يجب أن نطرح أسئلة حول المعتقدات والنتائج السياسية في استطلاعات الرأي والتفاعل التالية؟".
بناءً على استطلاعات حول "مناهضة العنصرية" و"حياة السود مهمة"، فإنَّ الإجابة المختصرة هي لا، فلا ينبغي عليك إجراء استطلاع لفهم مواقف موظفيك السياسية، سواء كانوا يدعمون تشريعات معينة أم لا، أو كيف يشعرون تجاه نتيجة حدث سياسي؛ وذلك لأنَّك تخاطر بمزيد من الاستقطاب بين موظفيك.
على سبيل المثال، إذا سألت الموظفين عما إذا كانوا يدعمون مرشحاً معيناً أم لا، فهل ستتخذ إجراءات بشأن تغذيتهم الراجعة؟ إذا كان غالبية الموظفين يدعمون أحد المرشحين، فهل ستتخذ المنظمة موقفاً عاماً لدعمه؟ يجب أن تفكر في كيفية تأثير ذلك في تجربة العمل لبقية موظفيك.
غالباً ما يسأل العملاء لماذا لا يُدرج الانتماء السياسي في الاستطلاعات، يجب عدم السؤال عن الانتماء السياسي وعدم تضمينه في أي استطلاع؛ وذلك لأنَّه نادراً ما ينتج عنه معلومات قابلة للتنفيذ.
لا تنس أنَّ المعلومات الديموغرافية التي يُطلب من الموظفين الإبلاغ عنها تُشير إلى أنَّك ستتخذ إجراءً إذا كانت هناك نتائج غير مواتية أو غير عادلة، وفي كثير من الأحيان، لا يمكنك اتخاذ إجراء على أساس الانتماء السياسي، كما لا يجب أن تتخذ إجراءً على أساس الأيديولوجية السياسية.
الأمور التي يجب مراعاتها عندما تريد التعبير عن دعمك أو عدم دعمك لقرار سياسي:
إذا كنت تدرس خياراتك للتحدث علناً عن الوضع السياسي كمنظمة، فيجب مراعاة ما يلي:
عليك أن تتأكد إن كنت تحتاج إلى تغذية راجعة من قِبل الموظفين لاتخاذ قرار حول ما تريد دعمه وما لا تريد دعمه.
من أروع الأمثلة هنا هو اختيار أن تكون معتمداً من مؤسسة تُعنى بقضايا اجتماعية أو بيئية، مما يعني أنَّ المنظمة تختار تلبية معايير عالية من المسؤولية الاجتماعية والبيئية، والشفافية العامة، وتحقيق التوازن بين الربح والغرض.
إذا كان هذا يتماشى مع استراتيجية منظمتك وقيمها، فهل تحتاج إلى طلب الدعم من موظفيك؟ هل أنت على استعداد للتخلي عن الشهادة إذا كان لديك مجموعة فرعية من الموظفين يقولون إنَّهم لا يدعمونها؟ بعبارة أخرى تجنَّب طلب الآراء حول القضايا السياسية أو المرشحين أو السياسات إذا كان قرارك بالدعم (أو التعبير عن عدم الدعم) ثابتاً.
عموماً، لا يُنصح بطلب تغذية راجعة من الموظفين حول رأيهم بشأن قرار سياسي، إذ يجب دعم (أو عدم دعم) القرارات السياسية بطرائق تتماشى مع قيم المنظمة، فقد يؤدي طلب تغذية راجعة حول الموضوعات التي قد يكون لها تأثيرات كبيرة على صحة موظفيك وسلامتهم ومعيشتهم إلى المخاطرة بمزيد من التهميش للفئات المهمشة تاريخياً.
لذا فكر في كيفية استخدام آراء الموظفين لتحديد دعم تشريع معين، ففي حين أنَّ غالبية الموظفين قد يدعمون التشريع، إلا أنَّ مجموعة فرعية صغيرة من الموظفين ولكنَّها هامة قد تواجه تأثيرات كبيرة في حال تمرير مشروع القانون؛ لذا فكر في الآثار المترتبة على مشاعر الانتماء إلى المنظمة إذا كنت تضع سلامة وعافية موظفيك على المحك من خلال تصويت شعبي.
1. الأثر النفسي:
تذكر، من خلال طلب تغذية راجعة من موظفيك حول أي شيء، فإنَّك توقِّع عقداً نفسياً بأنَّك ستفعل شيئاً بناءً على تغذيتهم الراجعة بغض النظر عما إذا كان ذلك يتوافق مع معتقداتك الشخصية، سيفقد الموظفون الثقة في عملية التغذية الراجعة إذا شعروا أنَّها مجرد خدعة، أو أنَّك لن تتخذ أي إجراء بشأنها.
2. المخاطرة بالاستقطاب:
أنت بحاجة إلى النظر في الآثار السلبية المحتملة لقرار الدعم أو عدم الدعم الذي تتخذه، ومن المحتمل جداً أن تزيد من استقطاب موظفيك إذا كنت، على سبيل المثال تؤيد مرشحاً لمنصب سياسي، أو تختار العمل مع منظمات معينة، أو تدعم تشريعاً يتعارض مع آراء شخص ما.
تذكر أيضاً أنَّك قد تخاطر بمزيد من تهميش المجموعات إذا قدَّمت بيان دعم لسياسة أو مرشح قد يكون له آثار ضارة على سلامة وأمن مجموعات فرعية في المنظمة، سوف تؤثر هذه الأنواع من القرارات تأثيراً كبيراً في القوى العاملة الحالية والمستقبلية لديك.
3. تجاوز القوى العاملة:
سوف تتجاوز هذه الأنواع من القرارات القوة العاملة الحالية لديك؛ لذا فكر في الآثار التي ستحدثها القرارات العامة على العلامة التجارية للمؤسسة؛ حيث يُتابع الموظفون القرارات والسياسات المتخذة في الشركات التي يعملون بها ويشاركونها مع معارفهم، خاصة عندما تتعارض هذه القرارات تعارضاً مباشراً مع وجهات نظرهم الشخصية وآرائهم.
ضع في حسبانك التداعيات التي تراها وتسمعها عبر الشبكات الاجتماعية، والأخبار، وفي المحادثات الفردية حول المنظمات التي اختارت دعم تشريعات معينة، أو عملت مع منظمات سياسية، أو أيَّدت مرشحاً معيناً.
قد تفقد الشركات احترامها بسرعة؛ وذلك لأنَّ موظفينا لا يخشون مشاركة المعلومات علناً، كما أنَّه من الصعب التعافي من السمعة السيئة التي تلحق بالمنظمة؛ لذا يجب أن تدرس الإيجابيات والسلبيات المحتملة عند اتخاذك لأي قرار.
أمورٌ يجب أخذها في الحسبان إذا كنت تخطط فعلاً لاستطلاع آراء الموظفين:
من المعروف أنَّه لا يوجد وقت مثالي لإجراء استطلاع وغالباً ما تُشجَّع المؤسسات على الاحتفاظ بمجموعة من التغذية الراجعة التي يُقدِّمها الموظفون، حتى في الأوقات الصعبة أو الغامضة مثل الوباء، وفيما يلي بعض الأمور التي يجب مراعاتها:
1. معدلات المشاركة:
قد يكون لديك معدلات مشاركة أقل إذا أجريت الاستطلاع في أثناء الانتخابات أو أي حدث سياسي كبير آخر، على سبيل المثال، أشارت البيانات الواردة من عملاء إحدى المؤسسات إلى أنَّ المشاركة في الاستطلاع في بداية جائحة كورونا كانت أقل بكثير من توقعاتها.
ففي بداية شهر مارس/آذار، عندما انتقل الموظفون فجأة إلى العمل من المنزل، وعانوا من زيادة التوتر والغموض، وعملوا جاهدين من أجل الحفاظ على روتين العمل، انخفضت المشاركة في الاستطلاع إلى 66 ٪، ولكن بحلول نهاية مارس/آذار، ارتفع متوسط المشاركة إلى 77 ٪.
لمعالجة التأثيرات المحتملة لحدث كبير على مقدار عكس البيانات للواقع، يمكنك الانتظار لمدة أسبوع لبدء الاستبيان أو تركه مفتوحاً لمدة أسبوع إضافي حتى تُتاح للموظفين الفرصة للمشاركة عندما يكونون قادرين على ذلك.
2. الأقسام المضافة:
قد ترغب أيضاً في إنشاء قسم إضافي لاستبيانك يُركِّز على الإدماج والانتماء والاحترام لفهم ما إذا كان المناخ السياسي له تأثير على ثقافة المنظمة، ققد تواجه المنظمات انهياراً للثقافة بسبب نتائج انتخابات رئيسية أو قرار سياسي، خاصة إذا كان لها تأثير مباشر في مجموعات فرعية مُحدَّدة من الموظفين في المنظمة مثل المجموعات غير الممثلة تمثيلاً كاملاً.
3. التأجيل:
قد تتغير نتائج استطلاع الموظفين إذا شارك شخص ما قبل أو بعد قرار سياسي كبير، خاصة إذا لعبت المنظمة أي نوع من الأدوار؛ لذا يجب الانتظار قبل بدء استطلاعات الرأي الحساسة؛ حيث قد يكون هناك المزيد من الاستقطاب في الأيام والأسابيع التي تسبق الحدث الكبير وبعده.
كيفية دعم الموظفين بعد حدث سياسي كبير:
سيكون هناك حتماً مجموعة من الموظفين في المنظمة منزعجين أو محبطين أو خائفين إثر أي نتيجة سياسية، وبغض النظر عما يشعر به الفرد، يحتاج الجميع إلى بعض الوقت لمعالجة النتائج، وبالنسبة إلى الموظفين الذين تتعرض حياتهم أو سلامتهم للخطر بسبب نتائج العملية السياسية، قد يكون وقت التعافي أكثر أهمية.
على غرار الأحداث الكبرى الأخرى، وأحياناً الأحداث المتغيرة للحياة، يمكنك مساعدة الموظفين على إدارة صحتهم العقلية وأخذ الوقت اللازم لفهم مشاعرهم؛ لذا شجِّع الموظفين على أخذ إجازة أوخصِّص يوماً للصحة الذهنية للموظفين الذين يحتاجون إلى فرصة لاستعادة الطاقة ومواجهة المشاعر المرتبطة بالنتيجة ومعالجتها.
على أي حال، إنَّ توفير الوقت للمعالجة لا معنى له إذا لم نخلق بيئة وثقافة للموظفين ليشعروا بالراحة في الحصول على استجابة عاطفية والحاجة إلى وقت للمعالجة؛ لذا احرص على إيصال فكرة أنَّه ليس من غير المهني أن تحتاج إلى وقت للاعتناء بنفسك أو عائلتك أو مجتمعك.
تُخبرنا ثقافتنا أيضاً عن كيفية تعامل "الفائزين" مع مكان العمل، فإن نجح مُرشَّحك أو مُرِّر مشروع القانون الذي تؤيِّده، فإنَّ ثقافة منظمتك ستُملي عليك كيف تتعاطف مع حزن الموظفين الآخرين وكيف تعمل على التخفيف من آثاره.
أصبح النأي بالسياسة عن مكان العمل شيئاً من الماضي، فمع استمرار التداخل بين حياتنا الشخصية والمهنية، أصبح من الضروري خلق بيئة يشعر فيها الموظفون بالارتياح للتفاعل مع الأخبار السياسية غير المواتية المحتملة؛ لذا ضع في حسبانك كيف سيتأثر موظفوك في الأسابيع التي تسبق هذه الأحداث وبعدها، وتأكد من استخدام التغذية الراجعة التي يُقدِّمها الموظفون بصورة صحيحة.
أضف تعليقاً