ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب داريوس فوروكس (Darius Foroux)، ويُحدِّثنا فيه عن كيفية تحديد الأولويات على الأمد الطويل.
نحن نظنُّ أنَّنا نتحلى بالذكاء من خلال اتباع طرائق مختصرة في الحياة، وفي حين أنَّ هذا أمر رائع إذا كنت تقود سيارتك من مكان لآخر؛ لكنَّ الجميع يعلم أنَّه لا توجد طرائق مختصرة في الحياة، فلبناء جسد قوي تحتاج إلى ممارسة الرياضة وتناول طعام صحي كل يوم، ولبناء مستقبل مهني تحتاج إلى تعلُّم المهارات وبناء شبكة معارف وتقديم عمل ذي قيمة.
لكن ماذا عن العمل بذكاء؟ خلال السنوات العديدة الأولى من مسيرتي المهنية لم أحترم ذلك؛ فقد بحثت عن الطرائق السريعة للنجاح، وفكرت فقط في الأمد القصير، وفيما يأتي بعض الأمثلة على ذلك:
- "كيف يمكنني كسب المزيد من المال هذا العام؟".
- "كيف يمكنني الحصول على صفقة لكتابي هذا العام؟".
- "كيف يمكنني بناء عضلاتي هذا العام؟".
- "كيف يمكننا زيادة أرباح شركتنا هذا العام؟".
بطبيعة الحال لم أكن ناجحاً؛ فقد كان تركيزي على الأمد القصير أكثر من اللازم، وهذا هو التحدي الأكبر في الاستثمار أيضاً.
كان مؤسس شركة أمازون (Amazon) "جيف بيزوس" (Jeff Bezos) أول رئيس تنفيذي يقول شيئاً مشابهاً لذلك: "لن نحقق أرباحاً هذا العام، ومن المحتمل ألَّا نحقق أرباحاً لسنوات عديدة"، لقد كان ذلك في عام 1997، وبعدها أصبحت شركة أمازون (Amazon) شركة رابحة في عام 2003.
قد لا تبدو خمس سنوات كثيرة إذا نظرت إلى الوراء؛ لكنَّ إدارة شركة مع مساهمين متطلبين ليست أمراً سهلاً، وذلك لأنَّ الناس يضغطون عليك باستمرار لتحقيق الربح، وبالطبع جيف بيزوس الآن هو الرئيس التنفيذي الأكثر إثارة للإعجاب على وجه الأرض؛ وذلك لأنَّه أسَّس عمله على الأمد الطويل.
التفكير في حياتك على الأمد الطويل:
العمل على الأمد الطويل ناجح على جميع المستويات، وليس مخصصاً فقط لإدارة شركة عالمية، واسمحوا لي أن أقدم لكم مثالاً شخصياً، فعندما بدأت في تأليف الكتب في عام 2015، تمنيتُ أن تنشر شركة "بنغوين راندوم هاوس" (Penguin Random House) كتبي أو أي شركة نشر مشهورة أخرى، لكن بدلاً من السعي إلى الحصول على ناشر ركزت على الكتابة، فنشرت مقالاً تلو الآخر، ومن ثمَّ نشرتُ الكتب بنفسي، وقرأ المزيد من الناس عملي.
استمر هذا عاماً، ثمَّ عاماً آخر، وهكذا دواليك، وفي العام الماضي بعد نشر 350 مقالاً وسبعة كتب، تواصلت معي شركة "بنغوين راندوم هاوس" (Penguin Random House) لقد أرادوا نشر أربعة من كتبي في الهند (India) وجنوب شرق آسيا (South-East Asia).
من الواضح أنَّني لم تكن لدي ضمانات لحدوث ذلك؛ لكنِّي لم أكن لأتهاون في عملي إذا لم يتصل بي ناشر على الإطلاق، فيتطلب العمل على الأمد الطويل التفاني في استراتيجيتك.
شاهد بالفديو: مقومات النجاح الأساسيّة في الحياة
كيفية التركيز على العمل على الأمد الطويل:
التفكير في المستقبل استراتيجية رائعة؛ لكنَّها لا تناسب مجتمعنا؛ فنحن نفضِّل إشباع حاجاتنا على الأمد القصير، ونريد الحصول على نتائج فورية، ونريد أن تكون لدينا علاقة مثالية منذ البداية، وأن نبدأ مشروعاً ونجني مليون دولار في السنة الأولى، ونُرَقَّى ونحصل على علاوة بعد ستة أشهر من بدء عمل جديد.
للعمل على الأمد الطويل لا تحتاج إلى التركيز بإفراط على المستقبل والتخلي عن حياتك في الوقت الحاضر؛ فهذه مضيعة للحياة، ونعلم جميعاً أنَّ الحياة مستمرة الآن وسيكون من الغباء التخلي عن الحاضر حتَّى نتمكن من الحصول على مستقبل أفضل.
الشيء الوحيد الذي تحتاج إليه هو تعديل توقعاتك، ولن يساعدك ذلك على تقدير الحاضر أكثر فحسب؛ بل سيجعلك أيضاً أكثر صبراً، وفي النهاية عليك العمل بصبر لتحقيق أهدافك، وفي الوقت نفسه الاستمتاع بالعملية، وهذه ليست نصيحة جديدة؛ إذ تحدَّث الرواقيون عن هذا قبل ألفي عامٍ، وفي الفلسفة الشرقية التي تعود إلى أبعد من ذلك يمكنك أن ترى الأفكار نفسها.
لا تسعَ إلى الأهداف قصيرة الأمد:
أنت في أفضل حال عندما تُحسِّن مهاراتك، وتُنشئ منتجات أفضل، وتعمل على أشياء يمكنك التأثير فيها؛ فعندما تسعى إلى تحقيق أهداف قصيرة الأمد فإنَّك غالباً ما تسعى وراء أشياء خارجة عن سيطرتك، مثل المال والمكانة ونيل استحسان الآخرين؛ لذا بدلاً من السعي إلى الحصول على هذه الأشياء اعمل على ما هو تحت سيطرتك، وفي النهاية ستحقِّق البقيَّة.
إذ ينجح الأمر مهما بلغ حجم أهدافك، وشركة أمازون خير مثال على ذلك؛ ففي حين لم تكن أسهم أمازون مرتفعة في التسعينيات هي الآن واحدة من أفضل الشركات أداءً في العالم، وتتمتع بإمكانية نمو أكبر من كل أسهم شركات مثل فيسبوك (Facebook)، وآبل (Apple)، ونتيفلكس (Netflix)، وغوغل (Google).
في الختام:
عليك أن تتحدى نفسك، ولهذا السبب يركز معظم الناس فقط على الأمد القصير، لكن إذا كان بإمكانك رؤية الصورة الأكبر وتجنُّب السعي إلى تحقيق النجاح الآن، فستكون أفضل حالاً في السنوات القادمة.
أضف تعليقاً