ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن طبيب النفس روبرت بيسواس داينر (Dr. Robert Biswas-Diener)، والذي يحدِّثنا فيه عن تجربته الشخصية في القدرة على الاستعداد.
فن الاستعداد للكوارث:
يصعب عليَّ تحديد ما الذي جعلني قابلاً للتكيف بالتحديد، ولكنَّني متأكد أنَّ هذا الأمر مرتبط بقدرتي على الارتجال، فيمكنني مغادرة المنزل بدون محفظة ولا أزال قادراً على إكمال مهامي، في الواقع، إنَّ ميلي إلى الارتجال وثقتي بقدرتي على التكيف دفعاني إلى التفكير بطريقة معينة فيما يتعلَّق بالمرونة.
لطالما اعتقدت أنَّ المرونة تعني القدرة على التعامل مع المصاعب وفي النهاية التكيف معها عند حدوثها، فلم يكن الأمر كذلك حتى تعلَّمتُ الدروس الهامة ممن يتقنون فن الاستعداد للكوارث؛ حيث أدركت أنَّه يوجد مسارٌ بديلٌ وفعَّالٌ.
يميل مُتقنو فن الاستعداد للكوارث إلى رؤية المصاعب قبل وقوعها، قد يبدو هؤلاء بالنسبة إلى شخص عادي أناس يتشاءمون ويتوقعون كل أنواع الكوارث المحتملة التي قد تحدث، وقد يعدُّهم الكثيرون أشخاصاً مصابين بالقلق المزمن.
لفترة طويلة، كنت أعتزُّ بشعوري بالتفاؤل وبقدرتي على التأقلم بسهولة؛ حتى لاحظت مدى استعداد وكفاءة فناني الاستعداد للكوارث من حولي، لقد تعلَّمتُ عن "القدرة على الاستعداد" أو فن التخطيط للشدائد، ومن ثمَّ القدرة على التعامل معها أفضل تعاملٍ عند حدوثها.
بمجرد أن بدأت بالبحث، رأيت فوائد الاستعداد في كل مكان، ومن الأمثلة على ذلك، يتدرَّب جنود القوات الخاصة على تمرينات الذخيرة الحية (هي أي تمرين عسكري يُعرَض فيه سيناريو واقعي لاستخدام معدات معينة) حتى يكونوا أكثر قدرةً على التعامل مع المعارك عند حدوثها، كما كسر مدرِّب السبَّاح الأولمبي مايكل فيلبس (Michael Phelps)، نظارته الواقية حتى يضطر إلى التعامل مع الأمور غير المتوقَّعة في حالة حدوثها، كما يضاعف الطلاب القلقون دراستهم قبل الاختبارات النهائية الصعبة، ويحزم الأشخاص مجموعة إضافية من الملابس عند ذهابهم إلى رحلات العمل، وتطول القائمة أكثر وأكثر.
في الواقع، يوجد بحث يتحدَّث عمَّا يسمى بـ "التشاؤم الدفاعي"؛ حيث يشير إلى أنَّ هؤلاء الأشخاص يختلفون عن المتشائمين التقليديين في جوانب هامة، ومن المحتمَل أن يتخلَّى المتشائمون التقليديون عن الجهد؛ وذلك لأنَّهم مقتنعون بأنَّ الأمور لن تنجح، في حين أنَّ المتشائمين الدفاعيين يستفيدون من توقعاتهم السلبية في زيادة حافزهم وجهودهم، ومن ثمَّ يكون أداؤهم أفضل على الصعيدين الرياضي والأكاديمي، ويتأقلمون تأقلماً أفضل عموماً، لقد كان الدليل واسع النطاق لدرجة أنَّني أصبحت أعتقد أنَّ القدرة على الاستعداد قد تكون أداةً يمكنني إضافتها إلى مرونتي الطبيعية.
شاهد بالفديو: 8 نصائح تساعدك على الازدهار في أوقات الشدائد
الدروس المستفادة ممَّا حدث مسبقاً من أجل تطبيقه فيما بعد:
تختلف فكرة القدرة على الاستعداد عن المرونة من حيث أنَّ الثانية هي رد فعل؛ بينما الأولى تعني القدرة على التخطيط لما سيأتي بعد، يعاني الأشخاص الذين يتمتعون بقدرة عالية على الاستعداد من نسبة أكبر من القلق، لكنَّهم يميلون أيضاً إلى الاستعداد جيداً.
تخيَّل أنَّه يوجد شخصان يعيشان في منطقة معرَّضة للزلازل؛ بحيث يعتمد الشخص الأول على قدرته الطبيعية في التعامل مع المشكلات ويعتقد أنَّه سيكتشف الزلزال فور حدوثه، في حين يستعد الآخر لكارثة محتملة ويمتلك حقيبة مؤن جاهزة، قد يعاني الشخص الثاني من قلق أكبر؛ وذلك لأنَّه يأخذ احتمال حدوث زلزال بجدية أكبر، لكنَّه سيكون أكثر قدرةً على التعامل معه في حالة حدوثه بالفعل.
قد يحمل مثال الزلزال الكثير من الاحتمالات، ولكن يوجد العديد من الأمثلة التي تحدث حدوثاً متكرراً، مثل التحقق من إطارات السيارات قبل الذهاب برحلة طويلة، وتنويع الاستثمارات، والانضمام لدورة إسعافات أولية، والتخطيط للعودة إلى المنزل باكراً من أجل نوم الأطفال، والمغادرة باكراً لتجنُّب زحمة المرور، وتحضير الهدايا قبل المناسبات، كلها أمثلة عن الاستعدادات التي تؤخذ في الحسبان مع مراعاة النتائج السلبية المحتملة.
يُعرف هذا الأمر أيضاً باسم التفكير المسبق، وهي فكرة أنَّه إذا شاركت في نشاطٍ ما، فيمكنك التأثير في النتيجة، لقد اتَّضح أنَّ الأشخاص ذوي القدرة العالية على الاستعداد متفوِّقون في المشاركة في عدد من السلوكات المتعلِّقة بالتخطيط.
على سبيل المثال، يستطيع بعض فناني الاستعداد للكوارث الاستفادة من دروس الماضي استفادة منهجية للتخطيط المستقبلي، فتخيل أنَّ الشخصين السابقين في مثالنا يستعدان لقضاء عطلة عيد الميلاد، يقول الشخص المتفائل الذي يتمتع بالمرونة بأنَّ العطلات يمكن أن تكون مُرهقة، ويفترض أنَّه سيبذل جهداً ويتعامل مع كل ما سيحدث (هذا وإن حدث)، في حين يعاني المتشائم الدفاعي من ضغوط معينة، فهو لا يحب الاحتفال بسبب وجود بعض الأشخاص الذين لا يتفق معهم، بالإضافة إلى كثرة المصروفات، وتنظيف المنزل الذي يمثل عبئاً، ومن ثمَّ يخطط للتخفيف من تلك الضغوط في أعياد الميلاد القادمة، وفي النهاية، سيشعر بقلق أكثر عموماً ولكنَّه سيواجه القليل من المشكلات خلال عيد الميلاد مقارنةً بالشخص المتفائل.
من خلال الاستفادة من الدروس التي حدثت مسبقاً، يمكن التطلُّع إلى الأمام، في تقنية تسمى "الإدراك المتأخر"؛ حيث يتظاهر الناس بوقوع حدث بالفعل.
على سبيل المثال، تخيَّل أنَّك قدَّمت بالفعل خطاباً هاماً، أو أنَّك سافرت بالفعل إلى هاواي (Hawaii)، أو أنَّ طفلك ذهب إلى الجامعة، أو أنَّك وجَّهت لمرؤوسيك تغذية راجعة صارمة، فمن الناحية النفسية، يوجد أمر مميز بشأن التظاهر بأنَّ هذه الأحداث قد حدثت بالفعل أكثر من مجرد التفكير فيها بحزن، فقد يؤدي ذلك إلى مشاعر وعواطف مجردة وكل ما ذُكِر آنفاً هو مجرد تخيُّل.
يستطيع فنانو الاستعداد للكوارث استخدام هذا التخيُّل المحدد للتخطيط بطريقة أفضل، فهُم قادرون على تخيُّل الخطأ الذي قد يحدث في تلك المناقشة الصعبة مع الموظفين والتخطيط لذلك وفقاً لتخيُّلاتهم، كما أنَّهم قادرون على التنبؤ بالمشكلات المحتمَلة عند اصطحاب أطفالهم إلى الجامعات، ومن ثمَّ يكونون مستعدين للتصرف بصورة أفضل.
التخطيط للشدائد:
إنَّ القدرة على الاستعداد، والتي تعني فن التخطيط للشدائد، هي الشريك المحتمل للمرونة، والتي تعني مواجهة الصعوبات بعد معرفة الحقيقة، وكلاهما عمليتان هامتان ولكلٍّ منهما فوائدها الخاصة.
لقد أدركت أنَّ الأشخاص أصحاب القدرة العالية على الاستعداد يتمتعون ببعض المزايا؛ وذلك لأنَّهم قادرون على التحمُّل، لكنَّهم يواجهون الشدائد وهم على أتم الاستعداد، والثمن في هذه الحالة أنَّهم يعانون من القليل من القلق الإضافي قبل الحاجة إليه، ومع ذلك، ولأكن صادقاً، فإنَّ هذا الأمر يبدو ثمناً بسيطاً أدفعه مقابل العديد من العقبات التي أواجهها عندما أرتجل حلولاً للمشكلات.
نصيحتي للأشخاص الذين يرغبون في تعلُّم القدرة على الاستعداد، هي وضع خطة للشدائد؛ حيث لا يمكنك التنبؤ بكل أمر سيئ سيحدث بالتأكيد، ولكن يوجد العديد من الحالات التي تتكرر فيها الضغوطات أو يمكن التنبؤ بها مسبقاً.
على سبيل المثال، عندما حدثت أزمة جائحة كورونا لأول مرة، وكنت عالقاً في منزلي، عانيت من عدم وجود أجهزة رياضية مناسبة فيه؛ حيث كنت أعتمد دائماً على التدرُّب خارج المنزل، ومن ثمَّ انخفضت لياقتي العامة خلال الأشهر الأولى من الأزمة، ومع ذلك، بمجرد رفع قيود الإغلاق، تمكَّنتُ من ممارسة الرياضة في الهواء الطلق وفي الصالات الرياضية، ومن المنطلق نفسه، لقد استمتعت عندما حذَّر خبيرو الصحة من موجة ثانية من العدوى، فقد خططت وفقاً لذلك عن طريق شراء بعض معدات التمرينات الرياضية المنزلية، في الحقيقة، بمجرد أن حصلت الموجة الثانية من الإصابات وأُغلِقت الصالات الرياضية مرةً أخرى، كنتُ مستعداً جيداً.
لوضع خطة خاصة بك، فكِّر في هذه الأسئلة الهامة:
- ما هي التحديات المحددة التي سأواجهها؟
- ماذا يمكنني أن أفعل للاستعداد لها؟
- ما هي مَواطن القوة والموارد التي أمتلكها والتي ستساعدني على مواجهة التحديات؟
- كيف سأتذكَّر استخدام ذلك بمجرد مواجهة الشدائد؟
يمكنك استخدام إجاباتك عن هذه الأسئلة كنوع من أنواع الموارد السريعة في حالة الطوارئ، ومجازياً، من الجيد أن تمتلك مطفأة حريق ولا تحتاج إليها، بدلاً من الاحتياج إليها وعدم امتلاكها.
الخلاصة:
في النهاية، من السهل معرفة سبب تأخُّر قيامك ببعض الأمور لفترة طويلة، والجانب الإيجابي لكونك شخصاً مرناً هو أنَّك متفائل وواثق ولا تشعر بالقلق، وفي الحقيقة، لطالما تجنَّبت التفكير الذي يعرضني للقلق والذي هو أساس أسلوب الاستعداد، ومع ذلك، فقد رأيت مراراً وتكراراً أنَّ الأمور الصغيرة المثيرة للقلق هي ثمن بسيط يجب دفعه مقابل الاستعداد، فأنت لا تحتاج إلى استبدال التفاؤل بالتشاؤم؛ وإنَّما يمكنك إضافة التخطيط بفاعلية إلى مرونتك.
أضف تعليقاً