إذا كانت إجابتك نعم، فمن المحتمل أنَّك تعرضتَ للإيجابية السامة (toxic positivity)، وعلى الرغم من أنَّ التحلي بالإيجابية أمر ضروري للوصول إلى أهدافك إلا أنَّ تجاهل المشاعر السلبية أو كبتها يجعل الأمور أسوأ على الأمد الطويل، كما قد تؤثِّر الإيجابية السامة سلباً في أمورك المالية إذا افترضتَ أنَّها ستكون ممتازة دون أي جهد منك؛ فإذا حاولتَ الخروج من مأزق مالي صعب باستخدام الأفكار الإيجابية وحدها، فسوف يسوء وضعك.
الفرق بين الإيجابية السامة والمرونة:
يُقال لنا كثيراً يجب علينا التفكير بإيجابية قبل إجراء أي تحسين في حياتنا، وعلى الرغم من أنَّ التحلي بمستوى معين من الإيجابية والثقة ضروري، إلا أنَّك لن تحرز أي تقدُّم في حياتك إذا كان كل ما تفعله هو الانتظار والتفكير بأفكار سعيدة.
وفقاً لمجلة "سايكولوجي توداي" (Psychology Today)، فإنَّ الإيجابية السامة؛ هي تجنب أو كبت أي شعور أو موقف أو تجربة سلبية يتعرض لها المرء في الحياة، وقد تنكر مشاعرك عندما تصبح الأمور صعبة، ومن ثم تختار بدلاً من ذلك الثقة بوجود مستقبل أفضل، ولكنَّك لا تفعل أي شيء لتحقيق ذلك المستقبل.
أما المرونة؛ فهي القدرة على الاستمرار في حياتك خلال موقف صعب، مثل تشخيص إصابتك بمرض خطير أو فقدان الوظيفة مع الاعتراف بصعوبة الموقف؛ إذ تمكِّنك المرونة من تحمل الأمور السلبية التي تحدث في حياتك، والتأقلم مع المشاعر الناجمة عنها مهما كانت، وقد يفيدك أو حتى يحفزك التفكير بإيجابية في بعض المواقف، ولكنَّ تجاهل المشاعر السلبية مثل الخوف والغضب والقلق والخجل على الأمد الطويل لا ينجح عادة.
وفقاً لمجلة "سايكولوجي توداي" بشكل عام عندما لا نتعامل مع مشاعرنا ستزداد الأفكار السلبية حتى تصبح مربكة؛ وهذا يؤدي إلى نوبات غضب في أوقات غير مناسبة أو الشعور باليأس، وعندما تتجنب اتخاذ قرارات مالية صعبة أو تحاول إيجاد طريقة لسداد الديون من خلال الإيجابية السامة وحدها، فربما تنشر "المشاعر الإيجابية"، ولكنَّك لا تقوم بالعمل اللازم لتحسين وضعك.
التعامل مع الأمور المالية بإيجابية سامة يؤدي إلى مشكلات في المستقبل:
مناقشة بعض الموضوعات قد لا تكون مريحة، والتفكير في الموت أو الطلاق أو المرض أو فقدان الوظيفة أو غياب الأمان المالي من أبغض الأمور على الإطلاق، ولكن من المفيد التخطيط للأحداث غير المتوقعة قبل وقوعها وحتى اتخاذ خطوات لتقليل تأثيرها في حياتنا، مثل إنشاء خطة للميراث أو صندوق للطوارئ.
لا يحميك تأجيل الحديث عن التأمين على الحياة أو مدخرات التقاعد من المشاعر السلبية التي تثيرها هذه الموضوعات؛ فتجنب الموضوعات المالية المزعجة الآن باللجوء إلى الإيجابية السامة سيؤذيك في المستقبل إذا لم تكن لديك خطة تحميك من ذلك، ولنفترض أنَّك راكمت على نفسك ديوناً بعد أن أسرفت في الصرف بحجة أنَّ المرء لا يعيش سوى حياة واحدة فقط، ولم تضع خطة لسداد تلك الأموال، وقد تختار تجنب المشكلة، أو ربما تقطع على نفسك وعداً بأن تضع ميزانية، ولكنَّك لا تجد الوقت لذلك أبداً، ولكن لن تتخلص من ديونك إلا إذا حددتَ المبلغ الذين تدين به، وأجريت التغييرات اللازمة لسداده، وعلى الرغم من أنَّ التفاؤل سمة مفيدة وصحية، ولكنَّ رفض الاعتراف بوجود مشكلة يزيد من صعوبة تحسين حياتك.
كيف تحمي أمورك المالية من الإيجابية السامة؟
على الرغم من أنَّ التعامل مع المشاعر السلبية مثل الخوف والخجل والغضب أمر مزعج، ولكنَّ القيام بذلك يساعدنا على معالجة مشاعرنا بأمان واتخاذ خطوات إيجابية في حياتنا، لذا إليك كيفية حماية أموالك وحياتك من الإيجابية السامة.
أول خطوة فعَّالة لتحمي أموالك من الإيجابية السامة؛ هي الاعتراف بوجود مشاعر إيجابية وسلبية دون التقليل من شأن أي منها، ولكل عاطفة من عواطفنا هدف مختلف، والتعرف إلى الإيجابية منها والسلبية يسهِّل علينا معالجتها، وعلى سبيل المثال: إذا كنت تحاول وضع ميزانية، فقد تقول في سرك: "لن أتمكن أبداً من القيام بذلك بشكل صحيح"، أو "سأظل أسدد الديون طوال عمري، فلِمَ أهتم بذلك".
إذا حاولتَ كبتَ هذه الأفكار وتشتيت انتباهك، فمن المرجح أنَّك ستعيد التفكير بها أكثر وأكثر، لذا تعامل مع هذه الأفكار واطرح أسئلة عليها بدلاً من ذلك، قد يبدو الأمر غريباً، ولكن ثمة احتمال كبير بأنَّ وراء الأفكار السلبية هذه يكمن خوف لم تعترف بوجوده؛ فإذا تمكنتَ من اكتشاف ما تخاف منه، فقد تجد حلاً يساعدك على تقليل القلق وزيادة ثقتك بنفسك.
شاهد بالفديو: كيف تضع حداً للأفكار السلبية؟
اكتشاف الإيجابية السامة بطريقة ردود فعل الآخرين تجاه مشكلاتك:
إذا كنت لا تدرك أنَّك تعتمد على الإيجابية لتجنب إصلاح حياتك وأمورك المالية، فقد يكون من الأسهل إدراك ذلك من خلال الانتباه إلى ردود فعل الآخرين تجاهك عندما تبحث عن الدعم، وعلى سبيل المثال: لنفترض أنَّك مررتَ بموقف صعب، وتوجهتَ إلى صديق ليتعاطف معك، فإذا أخبرك بأن تكون ممتناً لأنَّك لديك وظيفة، أو على الأقل وضعك ليس سيئاً بقدر وضع آخر، فربما يحاول فقط حثَّك على النظر إلى الجانب المشرق من موقف سيئ.
لكن يدفعك الناس من خلال هذه الردود إلى كبت مشاعرك، ويخبرونك أنَّهم لا يستطيعون التعامل مع السلبية، فتشعر بالإحباط لأنَّهم لا يستطيعون الشعور بمعاناتك ولا يقدرونها، فلا يقصد معظم الأشخاص الذين يستخدمون الإيجابية السامة إيذاء الآخرين، ولكنَّ افتقارهم إلى التعاطف يسبب نفس القدر من الأذى، ولتجربة ذلك انتبه إلى الطريقة التي قد تقلل بها من قيمة مشاعر الآخرين وتدفعهم إلى كبتها من خلال الإيجابية السامة، وفكر في كيفية الرد بطريقة أخرى عندما يشكو إليك أحدهم همه، فحتى لو قلت شيئاً بسيطاً مثل: "موقفك صعب جداً" أو "يؤسفني سماع ذلك"، فسوف يشعر الآخرون باهتمامك بهم أو بمصابهم.
إقرأ أيضاً: 3 حالات يكون فيها التفكير الإيجابي ضارَّاً
طلب المساعدة من الآخرين:
إنَّ التخلص من الإيجابية السامة في حياتنا ومحادثاتنا، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بالشؤون المالية هو عمل شاق، وقد يستغرق التفكير في مشاعرك وتحديد جذر المشكلة بعض الوقت.
يفيد التحدث مع شخص تثق به مثل صديق أو مدرب أو معالج، في تنظيم مشاعرك وتغيير وجهة نظرك تجاهها دون كبت المشاعر السلبية، فإذا كنت تستخدم أساليب قديمة للتعامل مع شؤونك المالية، أو تواجه مشكلة في التعامل مع مشاعر معقدة، فحاول العمل مع معالج نفسي مالي، فهو يجمع بين تقديم الاستشارة المالية والعلاج النفسي لمساعدتك على إدارة أموالك بصورة أفضل.
لن تتخلص من الإيجابية السامة أو السمات السلبية الأخرى بين عشية وضحاها؛ لذلك عليك العمل على حل المشكلة باستمرار دون أن تستسلم.
في الختام:
لا يمكنك إحراز أي تقدم إذا كنت لا تعتقد بأنَّك قادر على حل المشكلة، وسواء في شؤونك المالية أم الصحية أم الشخصية، غالباً يكون اتخاذ موقف إيجابي جزءاً لا يتجزأ من تحقيق أهدافك، كما يساعدك التحلي بجرعة صحية من الإيجابية على الاستمرار في المضي قدماً في حياتك، وذلك حتى عندما تشعر بالرغبة في الاستسلام.
لا تدع الإيجابية السامة تمنعك من تحقيق التقدم في أهدافك المالية، لذا ابحث عن التوازن المناسب بين الإيمان بقدرتك على تحقيق ما تريده من خلال العمل المدروس، والإفراط في التفكير الإيجابي الذي يبقيك عاجزاً عن تطوير نفسك.
إنَّ القيام بهذا العمل ليس بالأمر السهل، ولكن إذا راعيتَ نفسك وتصرفت معها بلطف، فيمكنك إحراز التقدم.
أضف تعليقاً